الحقوق محفوظة © مدوّنة علامة إستفهام
الأحد، 29 مارس 2015

ظاهرة عدلان, لماذا ساعده الزوالية و اختفى اصحاب الشكارة؟


السلام عليكم و رحمة الله

مؤخرا لاحظنا نجاح عملية جمع مبلغ العملية الجراحية اللازمة في الخارج للشاب المريض عدلان الذي تخلّت عنه الجهات المسؤولة بعد أن استعملوه كفأر تجارب كأول مريض يستفيد من عملية تركيب قدم اصطناعية في الوطن العربي والجزائر، لكنها للأسف الشديد كانت عملية فاشلة بامتياز و تُرِك لمصيره يصارع مرضا أرداه طريح الفراش لأربع سنين, و الغريب أن وزارة الصحة تدخلت في الوقت بدل الضائع بعد أن جمع الشعب مبلغ 5 ملايير اللازمة و بعد أن هبّ الآلاف من الناس للتبرّع بما ما يمكن إرساله من أموالهم للحساب البنكي المخصص للعملية, منهم من أرسل مصروف جيبه و هناك من أجّل عرسه ليرسل المبلغ الذي خصصه له و هناك من تبرّع على الـPayPal و باقي الوسائط الالكترونية من الكثير من الدول و منهم من أرسل راتبه الشهري, الخ.
ما لفت انتباهي هو التفاعل الكبير و غير المسبوق و خاصة من الناس ذوي الدخل المحدود أو "الزوالية", و ليس الأغنياء الذين يمثل لهم هذا المبلغ ربما مجرد ثمن سيارة فاخرة. و قد قرأت تساؤلات الكثيرون عن سبب هذا التفاعل مع هذه القضية و لماذا فقط الزوالية؟ الجواب يكمن في ظاهرة تسمى بالـ psychology of similarity( نفسية التشابه), أي أن الإنسان يميل لمساعدة من يشبهه (خلقا أو من نفس الجنس/الجنسية أو عقائديا أو فكريا أو اجتماعيا), و سأستعرض هنا بعض الدراسات و التجارب التي أجريت في هذا المجال.



 - في أفريل 1971 احتلّ أكثر من 200.000 شخص شوارع واشنطن في مظاهرات عارمة ضدّ سياسة الرئيس نيكسون في الفيتنام و من أجل السلام,و كانت الفرصة سانحة لمجموعة من الباحثين من جامعة Rutgers بنيوجرسي الأمريكية بقيادة البروفيسور " Peter Suedfield" لدراسة الإيثار (عكس الانانية) لدى الناس [1] . قاموا بإحضار ممثل و طلبوا منه اطالة شعره و إعفاء لحيته و لباس لـhippy نموذجي, ثم يدخل وسط جموع المتظاهرين يحمل لافتة معارضة لنيكسون مكتوب عليها Dump Nixon” , ثم تأتي احدى المشاركات في التجربة و عندما تصل اليه يسقط على الأرض و يتظاهر بالمرض, فتقوم المرأة بطلب المساعدة من أحد المتظاهرين و تطلب منه المساعدة أولا لحمله, إذا قَبِل ذلك تطلب منه اخراجه من المظاهرة ثم البحث عن مركز معالجة قريب ثم ايصاله للبيت الذي يبعد 10 كيلومتر و كل مرّة تزيد في المطالب حتى تصل حد طلب ثمن تذكرة الحافلة و عندما يقبل بكل شيء ينهض الممثل و يقول أنه بخير.
ثم أعادوا نفس التجربة و لكن هذه المرّة حلق الممثل لحيته و شعره و لبس جينز و حذاء رياضي و رفع لافتة مساندة لنيكسون (أي معارض لفكر المتظاهرين) مكتوب عليها “Support Nixon”.
االنتيجة: فرق كبير في التعامل مع الممثل في الحالتين, في الحالة الأولى كان التجاوب كبيرا, فالأغلبية قبلت مساعدت المريض, و هناك من اقترح حتى ايصاله ببيته بالسيارة و من لم يكن له سيارة أو مال اقترح أن يوصله مشيا, أما في الحالة الثانية القليل فقط من قبل مساعدته.

- قامت قناة BBC البريطانية بتجربة أشرف عليها بروفيسور علم النفس الشهير ريتشارد وايسمان (Richard Wiseman) لمعرفة مدى صِدْق البريطانيين, فقاموا بإجراء التجربة في محلين لبيع الجرائد و المجلات. في الحالة الأولى المحل كان كبيرا و تابع لسلسة توزيع معروفة, حيث يُرجِع البائع مبلغ مالي أكبر من الذي دفعه الزبون, فلو دفع 5£ جنية استرليني مثلا, البائع يرجع له 10£, ثم يرون إذا كان الزبون سيرجع المبلغ أم يحتفظ به.
 النتيجة: لا أحد أرجع المبلغ سوى واحد و لما سألوه قال أنه مسيحي متدين و أن الله لا يريدني أن آخذ ما ليس لي !
أعادوا التجربة نفسها و لكن هذه المرة في محل متواضع.
 النتيجة: أكثر من 50% أعادوا المبلغ الزائد للبائع و لما سألوهم عن السبب قالوا أنه لا يجوز ان تسرق من واحد "زوالي" مثلك, و هذا ما يأكد فرضية الباحث, أن الكثير لا يجد حرجا في سرقة شركة كبيرة بينما يتحرج من فعل نفس الشيء مع محل الحيّ.

ما نستنتجه من هذه الدراسات و التجارب و حتى ملاحظاتنا في الحياة هو أن مساعدتنا للذين هم مثلنا متجذرة فينا كبشر لأن من يشبهنا و يتصرف مثلنا غالبا يكون من نفس المنطقة أو القبيلة لهذا له الأولوية, و كذلك نساعد من هم مثلنا اجتماعيا لأنه دائما تحضرنا فكرة أن من الممكن أن يكون أحدنا مكان هذا الشخص, و قد برهن عليه تعاطف "الزوالية" مع قضية عدلان.
من غير إطالة أتوقف عند هذا الحدّ و من يريد المزيد سأضع أدناه عناوين أوراق أبحاث أُجريت في هذا المجال. [2]

في الأخير, ندعو الله بالشفاء للأخ عدلان و لباقي المرضى, و نرجو أن تكون هذه مبادرة لكي لا نقف عند مظاهر الخلل و حلّ المشكل من أصله و هو المطالبة بمنظومة صحية محترمة لا تضطرّ المريض للاعتماد على صدقات المحسنين بينما يذهب المسؤولون للتداوي في الخارج على نفقة المال العام.

السلام عليكم و رحمة الله


------------------------------------------------------------------------------------------------------------


[1] : P. Suedfeld, S. Bochner, and D. Wnek, “Helper-Sufferer Similarity and a Specific Request for Help: Bystander Intervention During a Peace Demonstration,” Journal of Applied Social Psychology 2 (1972): 17-23..


[2]
J. P. Forgas, “An Unobtrusive Study of Reactions to National Stereotypes in Four European Countries,” Journal of Social Psychology 99 (1976): 37-42.

A. N. Doob and A. E. Gross, “Status of Frustrator as an Inhibitor of Horn-Honking Responses,” Journal of Social Psychology 76 (1968): 213-218.

F. K. Heussenstamm, “Bumper Stickers and the Cops,” Transaction 8 (1971): 32-33.

J. M. Burger et al., “What a Coincidence! The Effects of Incidental Similarity on Compliance,” Personality and Social Psychology Bulletin 30 (2004): 35-43.

2 comments:

  1. بورك فيك اخي على هذا التحليل الجيد والممتاز

    ردحذف
  2. تحليل رائع... في انتظار مقال آخر أتمنى لك التوفيق أخي الزبير

    ردحذف