الحقوق محفوظة © مدوّنة علامة إستفهام
الأحد، 23 نوفمبر 2014

الجزائريون من أكثر الشعوب سعادة في العالم! لماذا؟

الجزائريون من أكثر الشعوب سعادة في العالم. خبر تناقله الكثير من الأصدقاء باستغراب,و لكن القليل من التدقيق يزيل تلك التناقضات الظاهرة من الوهلة اﻷولى.
 في رأيي الخريطة مع أنها ليست دقيقة لكنها ليست خاطئة بالكلية و هذا للأسباب التي سأذكرها تحت الخارطة:

خريطة -1-

- السعادة لدى البشر نسبية و ليست مطلقة. هذه الظاهرة تكلم عنها بإسهاب عالم النفس الأمريكي Samuel Stouffer  أثناء دراسته (1) لمعنويات الجنود اﻷمريكيين أثناء الحرب العالمية الثانية, حيث درس 500.000 جندي, و من جملة التناقضات التي صادفها هي أنّ لجنود الشرطة العسكرية انطباعا أكثر إيجابية تجاه عملهم مقارنة مع نظرائهم الجنود في سلاح الجوّ بالرغم من أن مزايا و علاوات عملهم أكثر و راتبهم أفضل, فالسؤال: لماذا جنود الشرطة العسكرية أكثر سعادة من نظرائهم؟. يجيب الكاتب:
"جنود الشرطة العسكرية يقارنون أنفسهم بزملائهم فقط, و في الشرطة العسكرية يعتبر الارتقاء في الرتبة حدثا نادرا و لو تحصلت عليه ستصبح سعيدا جدا, و إن لم تُرَقّى فأنت مثل معظم أصدقائك, فلن تكون أقل سعادة من الجميع. و لكن الوضع مختلف في سلك سلاح الجوّ, فاحتمال الترقية كبير, فان حصل جندي أو ضابط على ترقية فالكثير من أصدقائه قد حصلوا أو سيحصلوا عليها أيضا, و إن لم يكن ذلك فيكون قد فشل في ما نجح فيه غيره و بهذا سيصاب الجندي في سلاح الجوّ بالإحباط".
فكرة Samuel Stouffer هي أننا نقيّم سعادتنا مقارنة بالآخرين المحيطين بنا, فمثلا لو كان أحد ما ذو دخل متوسط يعيش في عمارة يسكنها فقراء أو ناس ذو دخل متواضع نسبيا سيكون سعيدا, بينما نفس الشخص سيكون أكثر تعاسة لو كانت شقته مطلة على فيلا بمسبح و سيارة ميرسيدس مركونة عند المدخل, و الشخص الساكن في الفيلا سيكون أكثر تعاسة لو كان جيرانه مليارديرات و لديهم سيارات فيراري حصرية.
لو لاحظنا الخريطة -1- أعلاه, سنجد أن اللون الأخضر يكسو نوعين من الدول: دول العالم الثالث ذات الأغلبية الفقيرة كدول المغرب كالجزائر و دول دول الشرق الأوسط و أمريكا اللاتينية و الدول المتقدمة التي يتوفر بها نظام حماية اجتماعية جيّد مثل فرنسا و ألمانيا و الدول الاسكندنافية.و هذا ما سأتحدث عنه في الفقرة التالية.
- هناك أيضا شيء يثير الفضول في موضوع السعادة و التعاسة عند الشعوب, و هو نسبة الانتحار. لطالما نربط ارتفاع نسبة الانتحار بانخفاض مستوى المعيشة لدى الشعوب, و لكن العكس صحيح. فلو تأملنا الإحصائيات الموضّحة في الخريطة -2- فنقارن نسبة الانتحار بين دول غنية و شعوبها تنعم بالرفاهية مثل كوريا الجنوبية أو اليابان أو الدنمارك أو فنلندا مع دول متخلفة و شعوبها تعاني مشاكل كبيرة كدول المغرب أو أمريكا الجنوبية و المكسيك, سنلاحظ أن الدول الغنية هي التي بها أكبر نسب للانتحار, فهل هذا يعني أن العيش في الدول المتخلفة أفضل؟ لا! هي فقط مسألة صعوبة أن يعيش إنسان مصاب باكتئاب في وسط مجتمع كله مبتسم و سعيد. و هذا موضوع بحث: "Dark contrasts: The paradox of high rates of suicide in happy places" لمجموعة من الباحثين في مجلة علمية في الاقتصاد السلوكي (2).

خريطة -2-
 هناك أيضا ظاهرة لافتة للانتباه في نسبة الانتحار التي تتبدل من دولة مجاورة لأخرى, و هذا ما تتعرض له البروفيسورة كارول غراهام Carol Graham  الباحثة و الكاتبة الأمريكية في كتابها " Happiness Around the World: The Paradox of Happy Peasants and Miserable Millionaires".من في رأيكم أكثر سعادة, فقير في الشيلي أو فقير في الهندوراس؟ المنطق يقول الشيلي, فهي دولة اقتصادها جيّد, فدخل الفقير في الشيلي هو ضعف دخل نظيره في الهندوراس و لكن نسبة السعادة في الهندوراس أعلى بكثير منها في الشيلي. لماذا؟ ﻷن الهندوراسيين يقارنون أنفسهم مع مواطنيهم فقط, حيث تقول الباحثة:
 معدّل الدخل الفردي GDP للدول لا يعكس مدى سعادة أو تعاسة شعوبها, بل الابتعاد النسبي في المداخيل بين الأفراد. فالفقير في الهندوراس سعيد لأن دخله ليس بعيدا كثيرا عن متوسط الدخل
  هنا نعتبر أن "الانحراف المعياري" (standard deviation) أهم من المعدّل (Average), فالفقير في الهندوراس أقرب للطبقة المتوسطة عكس نظيره في الشيلي.
 التفسيرات و الاقتباسات أعلاه تعالج الناحية المادّية لهذه الظواهر, و لكن حسب رأيي يجب أن لا نهمل أهمية التفسير المعنوي و خاصة دور الدين. فالكثير من المتدينين يأخذون مصاعب الحياة على أنها ابتلاءات و أنه يجب عليهم الرضا بالقدر, و يلعب عامل الدين دورا أكثر تأثيرا في تقليل نسبة الانتحار, ففي الخريطة -2- نلاحظ أن نسب الانتحار في الدول الإسلامية هي اﻷقل في العالم, و هذا لأنّ الانتحار محرّم شرعا ناهيك عن عقوبتها المذكورة في النصوص. منها الآية:

وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {النساء: 29-30 }
 أو الحديث:
رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ:"مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
أما تفسيري أنا (الساخر بالطبع), فأختصره في بيت شعر أبو الطيب المتنبي:
"ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"

شكرا على المطالعة, و نلتقي في موضوع آخر.


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1): The American Soldier: Adjustment During Army Life, vol. 1 of Studies in Social Psychology in World War II (Princeton University Press, 1949), p251.
(2): Mary Daly, Andrew Oswald, Daniel Wilson, and Stephen Wu, 
“Dark Contrasts: The Paradox of High Rates of Suicide in Happy Places”.
رابط الخريطة -1-:   http://www.happyplanetindex.org/data/
 خريطة -2-: مصدرها من ”منظمة الصحة العالمية“
الرابط: http://goo.gl/w2SgPN
  

2 comments: