الحقوق محفوظة © مدوّنة علامة إستفهام
الأربعاء، 16 أبريل 2014

التعليم العالي في الجزائر: مشوار الطالب الجزائري بين رحلة السلمون و النادي الصحّي للجرذان

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
موضوع هذه المرّة حسّاس و ربّما سيزعزع قناعات العديد من الناس الذي اعتادوا المكوث في منطقة الأمان (The comfort zone) و الإِقتيات على الفتات الفكري مما تجود به بعض وسائل الاعلام الرسمية أو التحليلات العشوائية, و الغرق في المغالطات المنطقية. سأحاول استفزاز العقول و ليس دغدغة المشاعر, لهذا اربطوا احزمتكم معي في هذه التدوينة التي سأتنقل فيها بين محطات من مسيرة طالب العلم في الجزائر, الذي كان يقول لنا أحد أئمة المدينة و هو استاذ جامعي "كان الطالب الجزائري راغب علم, و لكنه الآن أصبح راغب علامة" .
سبق لي أن كتبت مقالا قاسيا بعض الشيء عن التعليم العالي في الجزائر سنة 2010, و وصفته بأنه مجزرة في حقّ العقول (رابط المقال بالإنجليزية ), و من نجى من تلك مجزرة إما هاجر للخارج أو أصبح رديئا عما كان يجب أن يكون. العديد ممن تناقشت معهم طول السنين في الموضوع يقولون لي: "لو كان ما تقول صحيحا لماذا يوجد العديد من الناس الناجحين؟ و هم نتاج المدرسة الجزائرية. هناك فلان في الناسا, و علّان باحث في مسرّع الجسيمات في سويسرا و هناك علان آخر لديه 500 براءة اختراع..." الخ من المغالطات أو الـfallacies (و هو الخطأ الفادح في الاستدلال المنطقي بالرغم من عدم وضوح بطلانه من الوهلة الأولى). هناك مغالطتان في مثل هذين الاستشهادين:
- المغالطة التزامنية: و تسمى في علم المنطق بـ post hoc ergo propter hoc أو بالانجليزية After this, therefore because of this. و هو ربط حدثين بعلاقة سببية, فقط لأن أحدهما حدث بعد الآخر. أعطيكم مثال بسيط كلنا مرّرنا به:
 يكون المصباح ينير عاديا, ثم يأتي أحد ما أو ضيف وحين يضغط على الزرّ لينير الغرفة يحترق سلك  التنغستن داخل المصباح فجأة, فننسب العطل مباشرة للسيّد فقط لأنه آخر واحد ضغط عليه. ليس هناك أي دليل على أنه السبب, فربما تزامن مع آخر فترة حياة المصباح أو ارتفاع غير متوقع في التيار الكهربائي, الخ من الاسباب, و لا يعني بالضرورة أنه هو المتسبّب في العطل.
- مغالطة الخلط بالأسباب: (Correlation does not imply causation) cum hoc ergo propter hoc و هي الحالة العامة للمغالطة الأولى, و هي الخلط بين العلاقة السببية Causal و العلاقة الارتباطية Correlation – و قد تكلمت عنها في مقالي السابق. و سأعطي مثالا بسيطا عن هذا. مثلا عندنا في الجزائر العديد ممن ينجحون في الباكالوريا يغرقون في البحر و هي ظاهرة ألاحظها منذ سنين, و لكن ليس من المنطق القول أن النجاح في البكالوريا سبب من أسباب الغرق و هذا لشيئين:
- أولهما أن نتائج البكالوريا تأتي في عزّ موسم الاصطياف (لا نسمع كثيرا عن شباب يغرقون في عطلة الشتاء),
-  ثم أنه يغرق العديد من الناس في البحر كل سنة و نسبة الناجحين في البكالوريا ما هم سوى أقلية من مجموع عدد الغرقى, و لكن بحكم العامل العاطفي للحادقة تثار هذه النقطة, فلن تسمع مثلا في الاخبار عن غرق شاب نجح في تكوين سياقة الرافعات.

ربما تتساءل عزيزي القارئ: و لكن ما علاقة الجرذان بالتعليم؟ لا تتعجل, ففكرة الجرذان ليست لي بل هو فصل من كتاب "البجعة السوداء" "The Black Swan: The Impact of the Highly Improbable" للكاتب "نسيم طالب" و لقد اندهشت لدقة مثاله في وصف حالة الجامعة الجزائرية عموما و المدارس العليا خاصة .سأترجم المقطع بتصرّف لكي تصلكم الفكرة:
النادي الصحّي للجرذان*
يقول نسيم طالب "عندما كنت في أوائل العشرينات من عمري و كنت لا أزال أقرأ الصحف, صادفت مقالا في "لنيويورك تايمز" يتكلّم عن تصاعد تعداد العصابات الروسية في أمريكا و أرجع الصحفي صاحب المقال سبب صلابة و وحشية أعضاء تلك العصابات لتجربتهم في الغولاغ (Gulag) و هي معسكرات العمل القسري التي أنشأها النظام الروسي القيسري في سيبيريا لمعاقبة المجرمين و المنشقين ثم من بعده النظام السوفياتي, و معظم المحتجزين لقوا حتفهم هناك. الخروج منه حيا كان كالمعجزة.
صلابة المجرمين بفضل الغولاغ؟؟ هذه الجملة تصدمني لكونها غير صالحة أولا و ثانيا أن العقل الجماعي يقبلها كاستنتاج منطقي صالح, و هذا خطأ يقع فيه حتى المتعلمون. لم أكن أدري آنذاك مدى خطئها. انها ترهات تختبئ من وراء ستار.
التجربة التالية ستبرهن عكس ذلك. افرض مثلا أنك قادر على جمع مجموعة متنوعة من الجرذان (الطويل و القصير و الغثّ و السمين و القوي و الضعيف, الخ), بجمع آلاف الجرذان يمكنك الحصول على مجموعة متباينة و معبّرة لمجموعة الجرذان التي تسكن مجاري مدينة نيويورك. تأخذ تلك المجموعة للمخبر ثم نبدأ تجربتنا. نعرّض الجرذان لمستويات متدرجة من الاشعاعات النووية. كلما زدنا في مستوى الاشعاعات, كلما بقي فقط من هو طبيعيا أقوى (و هذا هو المفتاح) بينما يموت من هو أضعف تدريجيا كلما ارتفع مستوى الاشعاعات, حتى ننتهي بمجموعة قليلة من "طويل العمر" أو الأقوى. بينما التجربة في استمرار, من هو قوي يضعف ايضا بسبب الاشعاعات, أي يضعف عمّا كان عليه قبل التجربة. لو تابع ملاحظ ذو قدرات تحليليه جيدة و متحصل على نقاط عالية في الجامعة ربما سيعتقد أن معالجتي في المخبر هو نادي صحّي ممتاز للجرذان و يمكن تعميمه على كل الثدييات. فمنطقه سيكون كالتالي:
إن هذه الجرذان من أقوى الجرذان في مدينة نيويورك ! فيسأله أحدهم, و ما هو القاسم المشترك بينهم, فيجيب, انهم قادمون من مخبر "نسيم طالب". سنحاول تطبيق هذه الخدعة على جريدة نيويورك تايمز, سنطلق هذه الجرذان في شوارع نيويورك و نخبر مراسل الجريدة المختص في أخبار القوارض , سيكتب مقالا مطولا يشرح فيه الديناميكيات الاجتماعية في أوساط الجرذان المحلية فيه مثل هذا المقطع "هذه المجموعة من الجرذان هي من تقود عصابات الاجرام في مجتمع القوارض, فهي حرفيا تسيّر الأمور هناك, و يعود هذا لصلابتهم بعد تجربة الدكتور نسيم طالب " انتهى الاقتباس.
سأحاول الربط بين القصة أعلاه مع واقع المدارس العليا. لا أحد ينكر أن المتخرجين من المدارس العليا بالجزائر من ابرز الطلاب في الوطن و لكن السؤال , لماذا؟ هل هو بسبب التكوين هناك أم بسبب المناهج الفعالة أو لكفاءة الأساتذة. من خلال تجربتي (6 سنين في المدرسة العليا للأعلام الالي) اتضّحت لي مع مرور الوقت كلّ هذه الترّهات و التفسيرات السطحية على شاكلة قصة الجرذان. هيا معي نغوص أكثر في الموضوع. تُرتّب الجامعات عادة حسب عدّة معايير (موقعها الالكتروني, عدد الأبحاث المنشورة. نسبة التحصيل العلمي, فرص التشغيل للطلبة مباشرة بعد التخرّج, السمعة العالمية, مستوى الأساتذة, الخ), أنا هنا سأهتم أكثر بالمنتوج ألا و هو الطالب.
المدارس العليا تطلب معدلات باكالوريا عالية من الطلبة للتسجيل بها (16 على الأقل ان كنت لا أزال أتذكر), فهي تستقطب النخبة و أفضل التلاميذ, و لكي لا يساء فهمي, من لم يتحصل على معدل عال في البكالوريا لا يعني في أي حال أنه ليس ذكيا كفاية (العديد من معارفي متفوقون في مجالاتهم مع أنهم أعادوا الباكالوريا مرة و مرات) لان البكالوريا ليست مقياسا مطلقا, و لكن من يتحصل على الباكالوريا بمعدل جيّد فهو بالتأكيد ليس غبيا أو متوسط الذكاء (اللهم ان غشّ كما هي العادة في السنوات الأخيرة). إذا المادّة الخام هي من أفضل المواد الخام, دعنا الآن نمرّ للمنتوج النهائي. من الـ350 طالبا الذين دخلوا , لا يتخرج في السنة أكثر من 180 من غير احتساب من يعيد السنة و السنتين و من يُقصى. من الـ350 تلميذا نجيبا لا ينجح سوى 50%, و من الـ50% معظمهم يذهب للخارج سيكمل دراسته هناك و لا يبقى في الوطن سوى 3 أصناف:
- الذي لم يذهب لأسباب أقوى منه,
-أو لظرف عائلي لا طاقة له به,
-أو المغرّر به.
 و هنا موضع اللبس. حجة الكثير أن العديد ممن يذهبون ينجحون ( دعني أهزّ بك أرضية الأمان هنا). أولا, نفس من نجحوا في الخارج كانوا فاشلين أو عاديين في المدارس العليا (و هم كثر), و ثانيا لا ينجح كل من يذهب للخارج نجاحا باهرا جديرا بقدراته و مستوى ذكائه, لعدة أسباب لا يسعني التعمق فيها كثيرا هنا,و اقتصر على بعضها:
 معظم من يهاجر يذهب لفرنسا, و هذا ليس لسواد عيوننا أو لذكاء الجزائريين الباهر, هذا لأن الدول الوحيدة في العالم التي تدرّس في الجامعة باللغة الفرنسية (على خلاف سويسرا و الدول التي كانت تابعة للإمبراطورية الفرنسية كبلجيكا, الخ, و طلبتها يدرسون في بلدانهم لا يأتون لفرنسا) هي الدول الافريقية المتخلفة, اذا المنافسة هي بين طلبة هذه الدول فقط ,و يلاحظ هذا في الشعب التقنية أكثر. فالجزائري درس باللغة الفرنسية في الجامعة فهي ليست غريبة عليه, و لكن اذا تعلّق الأمر بالدول الانجلوساكسونية أو ببرنامج بالإنجليزية فالحضور الجزائري ضئيل و متواضع. اذا المدارس العليا ليست هي السبب في نجاح الطلبة, بل بالعكس هي وسيلة لتكسيرهم (هناك حتى من فقد عقله و أعرف منهم اثنين), و قد تكلّم عن هذا الكاتب مالكولم غلادويل Malcolm Gladwell في كتابه " داوود و جالوت" David and Goliath: Underdogs, Misfits, and the Art of Battling Giants عن أثر الجامعات النخبوية على الطلبة المتفوقين, ففي دراسات (طويلة لا يسعني نشرها هنا, لمن يريد التعمق فانصحه بالكتاب) وجدوا أن المستفيدين هم الـ25% الأوائل, اما البقية بالرغم من انهم متفوقين و لكن المنافسة الشديدة تفقدهم ثقتهم بالنفس و تؤثر بالسلب على تحصيلهم الدراسي. نعود لموضوعنا, المدرسة العليا هي مثل الصائغ الذي تعطيه 350 ألماسة خام ليصقلها, فيفسدها و لا يعطيك سوى 180 في نهاية المطاف, ثم يأتيك أحد ما قائلا أن ذلك الصائغ بارع و قد صقل 180 ألماسة. هذه مغالطة! للأسف نحن ضحايا أحد أكثر المغالطات المنطقية شيوعا و التي يشرحها ببراعة أحد أبرز منظري الاقتصاد السياسي في القرن 19, المفكّر الفرنسي فريديريك باستيا Frédéric Bastiat في محاولته الشهيرة "ما نراه و ما لا نراه" " Ce qu'on voit et ce qu'on ne voit pas" أين ينتقد قصر نظر صناع القرار الذين لا يدخلون في الحسبان الآثار التي لا نراها لقراراتهم. و لو أسقطنا على واقعنا فكرة فريدريك باستيا مثلا على واقع انجازات الرئيس. عندما ينفق 18 مليار دولار على طريق اهترئ في سنتين, ما يراه الناس هو طريق تمتد من الشرق للغرب و تجدهم يهللون و يصفقون للإنجاز, و لكن ما لا يرونه هو أن نصف الـ18 مليار  (7 ملايير حسب الخبراء) كانت كافية لاستكمال المشروع بالمعايير الدولية, و ما لا يرونه هو أن المال ليس من جيبه يتكرم به علينا بل مال الريع النفطي و مال الشعب و الضرائب, و ما لا يرونه أيضا هي الملايير التي لم تجد لها طريقا للتجسد على أرض الواقع و ذهبت في حسابات سويسرية أو Offshore و هذا ما أسميه أنا "الحسور الذهني" أو "The Mental Myopia".
الكلام عن الطريق السيار يبدأ عند الدقيقة الثانية و 36 ثانية (02:36)




هناك مثال آخر, يمكن القول أنه يشبه مثال نسيم طالب كثيرا و لكن ليس بإسهاب. هب أن لديك 1000 إنسان, حقنتهم كلهم بفيروس T-Virus القاتل (من سبق له أن لعب Resident Evil يعرف عمّا أتكلّم), يموت مثلا 900 و ينجو 100, هؤلاء الـ100 سيكونون حتما أشخاصا ذوي مناعة قوية إن لم تكن خارقة, و لكنّ السؤال هو: هل الفيروس هو سبب قوتهم؟ للأسف, الـ900 ماتوا, لا يمكنهم الإجابة.
خلاصة القول في هذه النقطة, الجزائريون ليسوا عباقرة, هم غيرهم كباقي الشعوب, هناك الذكي و الغبي, الفرق أن الناجح عندنا ينجح بتوفيق الله أولا ثم بقدراته الشخصية و مجهوداته الذاتية, و أي نجاح يحسب له أولا ثم لمن ساهم في تكوينه بإخلاص ابتداء من عائلته الى اساتذته المخلصين و لما لا بعض الاداريين الصالحين, و لكن المعوّقات أكثر من المحفزات, و هذا ما ينقلنا للنقطة التالية.

مشوار الطالب الجزائري و رحلة السلمون
المثال الذي كنت استشهد به عادة لكي أشبّه مسيرة الطالب الجزائري هي حصّة ألعاب كنا نتفرجها في طفولتنا, وهي "حصن السيّد تاكيشي" و من نسيها هذا رابط الفيديو

هو برنامج مسابقات ألعاب جسدية ياباني اين يشارك عدد كبير من المتسابقين, ويحاول فريق المتسابقين اجتياز مراحل كبيرة من الموانع والعقبات و يتلقون دفاعا من أصحاب الحصن فيما تتناقص أعدادهم مع استبعاد الخاسرين عبر كل مرحلة، ليصل في نهاية المطاف أصلبهم عودًا وأكثرهم تصميمًا إلى المرحلة الأخيرة لينافسوا السيد طاكيشي وأعوانه، حيث يتحدّد مصيرهم إما بالفوز أو الخسارة في كل حلقة، والتي يصل إليها فئة قليلة من المتسابقين. أوجه الشبه هو أن المتسابقين هم الطلبة, و المدافعين عن الحصن وواضعي العراقيل و الحواجز هم الأساتذة أو سدنة المعبد.

رحلة السلمون: بكل بساطة رحلة الشاب الجزائري في طريق النجاح و تحقيق الذات, هو كرحلة سمك السلمون الذي يولد في النهر ثم يقطع مئات الكيلومترات للمحيط ليعيش و يتزاوج هناك, ثم يعود ليبيض في المكان الذي ولد فيه في أعلى النهر, و في رحلة العودة يموت معظمه في  شباك الصيادين أو بين فكي القرش أو التحطم على الصخور بسبب التيار المعاكس أو الافتراس من طرف الدببة المترصدة له عند الشلالات, لا يصل منهم لمبتغاه سوى "طويل العمر"

salmon life cycle
                                              -- دورة حياة سمك السلمون --
مصدر الصورة: http://galleryhip.com/salmon-life-cycle.html

bears_&_salmon
            -- دببة تترصّد أسماك السلمون في رحلة عودتها لمكان ولادها في أعلى النهر --

لغة التعليم
أحد أكثر النقاط أهمية عندي, و التي تناقشت فيها مع العديد من الجزائريين و لكن معظمهم لا يقدر حجم الكارثة, لأنها ببساطة تقع في المغالطة التي تكلّم عنها الاقتصادي فريديريك باستيا في " ما نراه و ما لا نراه". العديد من الناس يتحجّجون أن هناك العديد من الطلبة من هم الآن أطباء و مهندسين و ..و.. و لكن ما لا يرونه هو عدّد الضحايا, من النوابغ (من دون مبالغة, و عرفت منهم الكثير وهم الان بطّالون و لم يكملوا دراستهم الجامعية) الذي سقطوا في الطريق, ماذا لو لم تكن اللغة عائقا؟ كم كان سيكون لدينا الان من متعلمين و اطارات؟ و لكن ما ألاحظه في الناس أن معظمهم يتكلم عن أنانية, فالذي يتقن الفرنسية يحسب أن كل الناس يتقنها و من يجهل الانجليزية يحسب كلّ الناس يجهلها مثله( فيعطيك أعذارا من شاكلة: اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب أوالمشكل هو نظام التعليم و ليس لغة التعليم و أننا لسنا جاهزين للانتقال للانجليزية بعد, الخ من الأسباب الذاتية التي ليس لها أي أساس علمي أو منطقي)   , فتراه يغلّب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة, ثم تراهم يشتكون ممارسات السلطة و النظام ! لهذا أنا لا ألوم من لا يريد أن يتغيّر شئ في البلاد من المسؤولين لكي لا تضيع مصالحهم الضيقة, بل ألوم من يدعي الاصلاح, و لكن لا يريد التضحية بقليل, فيريد للبلاد أن تتغير من أجله, و ليس أن يتغيّر هو من أجل البلاد. أنا على المستوى الشخصي ليست لدي مشاكل مع اللغات, بل بالعكس كانت دائما محط اهتمامي ( أتكلم اربع لغات و أتعلم دائما), و أحد الأعذار التي طالما ازعجتني هي "اللغة ليست مهمة هي وسيلة اتصال فقط", اجابتي هي :"نعم, أوافقك الرأي, لكن هيا أرميك في قسم يدرّس علم الحشرات الاستوائية في الفليبين باللغة التاغالوغية و سنرى شطارتك, و هل اللغة مجرّد وسيلة للتواصل!"
 الموضوع هذا لوحده يحتاج لكتاب, و لكن سأحاول تناوله في مقال لوحده لا حقا, و أكتفي باقتباس من مقالي السابق, و هي قصة "فأر تجارب في مخبر عمي بوزيد" التي لخصت فيها مشكل لغة التعليم في الجزائر, و التي طالما ساعدتني في توصيل فكرتي في هذا المجال:
[قصّة فأر تجارب في مخبر عمي بوزيد]
وُلد الفأر الصغير "بينكي" في وسط قفص عائلة متواضعة, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي حين بلغ سن الـ6 أشهر ذهب لمدرسة مخبر العم بوزيد (الذي يستعمل الفئران الصغار في تجاربه) . في عائلة بينكي يتحدثون لغة الكوباي الهجينة و التي لا تشبه لغة الفئران الرسمية, حيث هي عبارة عن هجين بين لغة الفئران و كلمات من لغة القطط التي كانت تحتل بلاد ميكي. و كغيره من الفئران في بلاد ميكي تدرج بينكي في مقامات التعليم الرسمي, لمدة 12 شهرا اكتملت فيها قدراته اللغوية و أتقن لغة الفئران الرسمية بحيث أصبح رصيده اللغوي يمكنه من فهم المصطلحات و المفاهيم المعنوية و مناقشة المواضيع الفلسفية. و تعلّم أيضا البعض من لغة القطط و القليل من لغة الكلاب, في عالم يحكمه الكلاب ( لأن الذئاب حطّمت القطط في حرب حيوانية عالمية و لم ينقذ القطط سوى الكلاب).و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, كان بينكي يحلم بتطوير بلاد ميكي المتخلفة, فأراد الذهاب لجامعة الفئران ليتعلم الهندسة, و لكنه صدم لأنه وجد أن اللغة المستعملة في الجامعة هي لغة القطط, و لكن هذا لم يثنه عن غايته النبيلة, فعوض أن يهتم بالتحصيل الدراسي فقط اضطر لإتقان لغة القطط أيضا, لأنه بعد 5 أشهر سيتخرج, و لكن بالرغم من تعلمه لغة القطط فان 5 اشهر من تعلمها سمحت له بأن يكون له رصيد لغوي كرصيد قط ذو 5 أشهر (بينما هو يبلغ من العمر 23 شهرا!). 
تخرّج بينكي, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, بدأت رحلته في البحث عن العمل, و لكنه اندهش لأن معظم الشركات يشترطون عليه: 1-اتقان لغة القطط, لأن القطط هم الزبائن/المستثمرون المفضلون في بلاد الفئران, و  2-ورقة تثبت أنه أمضى شهر و نصف في الخدمة الميكية ( أين يجمع عدد كبير من الفئران الشابة في قفص كبييير للقيام برياضة الدوران في العجلة و تقشير البطاطا) فعدل عن رأيه و أراد استكمال دراسته, فتقدّم لمسابقة الماجستير, بعد ايام من المراجعة استطاع انتزاع المركز الأول في قائمة المتسابقين بمعدل 9. و لكن المشكل هذه المرة طُلِبَ منه تعلم لغة الكلاب لأنه سيضطر في البداية لترجمة أبحاث باقي الحيوانات في الغابة( لأن كل الحيوانات تعتمد لغة الكلاب في نشر ابحاثها) ثم لينشر أبحاثه هو أيضا في علم القبار و الكالكير ليستفيد منها المجتمع العلمي الحيواني العالمي ... ."
الفأر: شاب جزائري
لغة الفئران: العربية و الأمازيغية
لغة القطط: الفرنسية
لغة الكلاب: الإنجليزية
أي أن الشاب الجزائري يمضي وقته في تعلّم اللغات أكثر من التحصيل العلمي, و اللغة هي ليست غاية لذاتها هي وسيلة لتحصيل المعارف و نافذة مفتوحة على ثقافة و رصيد حضاري مغاير. و طالما أقول: أننا نقضي اوقاتنا في معالجة المشاكل الوهمية عوض المشاكل الحقيقية. فالرصيد اللغوي يلعب دورا هاما في قدرة الفرد على استيعاب المفاهيم و التواصل, فمثلا لو تفرجت على استطلاعات الرأي في الشوارع الجزائرية على القنوات نادرا ما ترى شابا يعبّر عن رأيه في أفكار متسلسلة و مدعمة بشواهد و أمثلة و بلغة سليمة و واضحة, بينما لو تشاهد كيف يعبّر مراهقون في قنوات غربية عن آرائهم فتجد فرقا بين الاثنين.
خرافة مجانية التعليم:
أحد أكثر الخدع التي انطلت علينا لعقود هي مجانية التعليم في الجزائر و لكن الحمد لله هناك انترنت فتحت لنا عيوننا. العديد من الدول تمنح تعليم مجاني و أنظمتها تعدّ الاحسن في العالم, و منها فلندا و الدنمارك و النرويج و فرنسا و سويسرا و المانيا, الخ. بل و يمنحون حتى اعانات مالية للطلبة.




و لكن قد يقول لك البعض: و لكن الدراسة و الأكل و السكن الجامعي في الجزائر مجانيين تماما! بينما تدفع في الدول الأخرى من أجل هذا؟  ما لا يفهمه هذا الصنف من الناس (الذين يعانون من الحسور الذهني) أن في الدول التي ذكرتها, الدولة هي من تعطي المال مباشرة للطالب و هو حر في اختيار الاقامة الجامعية و المطعم, الخ, فلا يكون هناك وسائط و منه استحالة نهب الأموال في طريقها لمستحقيها, على عكس الجزائر أين تصرف الدولة أمولا طائلة من غير الوصول لمستحقيها.

إجابتي هي في النقاط التالية, و سآخذ فرنسا كمثال من غير إطالة:
- العملة: العديد من الجزائريين حتى حين يذهبون لأوربا يتعاملون مع الأورو كأنه 100 دج فيقول لك المعيشة غالية لأن فنجان قهوة بـ100 دج بينما في الجزائر 20دج فقط, و لكن ما لا يرونه هو أن 1 يورو يعادل 10 دج بالنسبة لمستوى معيشة الأوربي.
- السكن: في فرنسا الاقامات الجامعية تجدها عادة بين الـ180 حتى 400  يورو في الشهر قد تزيد أو تنقص, ثم مع صندوق الاعانات الاجتماعية, الدولة تدفع 50% من مبلغ الكراء, و يمكن للطالب أن يذهب ليكترى شقة في مكان آخر, فهو غير مربوط بالاقامات الجامعية.  في الجزائر المبلغ رمزي, و لكن لن أحدثكم عن حالة الاقامات من نقص النظافة و رداءة مواد البناء و انعدام الانترنت (التي أصبحت أكثر من ضرورية) و انقطاع الماء و التدفئة الخطيرة بالغاز أوبالمقاومات, بالرغم من أن الدولة تصرف عى الطالب ربما حتى 30.000 دج في الشهر, و لو أعطي له هذا المبلغ و خُيّر فأتحداكم ان بقي أحد في تلك الاقامات.
- اﻷكل: الوجبة التي يقول عنها البعض مجانية هي 1.2 دج و هو الثمن الحقيقي لها, فصحن به خبز قديم و سمك لا أدري من أين اصطادوه و حبتي جبن من غير علامة تجارية و شريحتي كاشير مجهول المصدر لا يمكنها تجاوز عتبة الـ2دج. في فرنسا بـ3.15 يورو (هي بالنسبة للطالب الفرنسي كالـ31.5دج للطالب الجزائري) الوجبة بها طبقين أساسين + نوع من أنواع اللحم (دجاج, سمك, الخ)+ طبقين صغيرين قد يكون تحلية كالياؤورت أو فاكهة أو جبن, على اخيار الطالب.

لو طبقنا فكرة "فريديريك باستيا" على موضوع الأكل في الجامعة :
ما نراه: وجبة غذائية بـ1.2 دج (و هو الثمن الحقيقي لها) بعد أن نهب منها المسؤولون قبل أن تصل لفم الطالب
ما لا نراه: الوجبة التي يمكن توفيرها بالثمن نفسه الذي تنفقه الدولة على الطالب لو لم تكن هناك سرقة و نهب


من المؤسف أن أجد نفسي أتكلم عن اﻷكل, و لكن فقط لكي أردّ على من لا يزال لا يعرف الفرق بين حقّه و بين حلمه.

-حقوق التسجيل: في الجامعات الفرنسية التابعة للدولة تكون في حوالي الـ500 يورو للسنة و يمكن للطالب بعد ذلك استرجاعها بدفع ملف عند المساعدة الاجتماعية للجامعة. و لن أتكلم عن الفرق في الوسائل المتحة للطالب عندهم, من قاعات و مخابر حديثة و مكتبات مجهزة, الخ.

- النقل: في فرنسا يدفع الطالب نصف الاشتراك الشهري للنقل (في حالتي 26 يورو أي كأنها 260دج و تختلف من مدينة لاخرى), و بطاقة النقل صالحة في كلّ وسائل النقل في المدينة من حافلة و ميترو و على مدار الساعة و ليس النقل الجامعي لتحكوت فقط. ناهيك عن أن الطلبة يدفعون تقريبا نصف مبالغ تذاكر القطار و النقل في كل البلاد.

- الثقافة: هذه لا توجد في الجزائر, أو على الأقل لم اعرفها يوما. في فرنسا مثلا معظم المناطق الأثرية و المتاحف (ان لم تكن كلها) التي تعجّ بها البلاد مجانية للطلبة أو الشباب الأقل من 26 سنة, ناهيك عن القسائم التي تعطى للطلبة موسميا لدخول التظاهرات الثقافية من معارض و حفلات و مسارح و قاعات سينما, رغما من أن السينما تمنح للطلبة تخفيضات.

الصحة: بالاشتراك في بداية السنة التأمين الصحي بـ70% ثم يمكن دفع ملف للضمان الاجتماعي لتغطية تكاليف الدواء و العلاج 100%, و لن أتكلم عن مستوى الرعاية التي تجعلك تشفى فقط من حسن المعاملة و الاستقبال. بينما لو مرضت في الجزائر في الاقامة فكما نقول في العامية 'أكلك بوبي', و أذكر باختصار يوم مرضت في الاقامة الجامعية في أحد الايام الممطرة ليلا, أخذني رجال الحماية (لأن سيارة الاسعاف أخذها هواري الاقامة ليسهر!) لمستشفى زميرلي في الحراش على الساعة ثانية ليلا, ثم تركوني هناك في الاستعجالات, لم أجد احدا بل ذهبت ﻷطرق الباب و أوقظ الطبيبة التي كادت تصيح في وجهي لانني افسدت لها نومها, المهم قصة طويلة عوملت فيها كحيوان, في الأخير لأجد نفسي -مع صديقي الطاهر الذي رافقني- نمشي تحت المطر بملابس النوم و نبحث عن سائق "كلونديسان" ليوصلنا للاقامة مع ألم زاد! ليلة لن أنساها...
ربما خرجت عن الموضوع  قليلا و لكن أردت فقط أن أوصل فكرة للناس الذي يحسبون أن الكواكب تدور حولهم, أن ما لا ترونه موجود, و أنّ جهلكم بالشئ لا ينفي وجوده, و أدعو لهم أن لا يمرضوا يوما في اقامة جامعية.

نعود للتحصيل العلمي, يحق لكلّ انسان أن يتساءل, كم ترتيب نظام الجزائر التعليمي في العالم؟
الجواب محزن:

education

و لمن يريد الاطلاع أكثر عن التعليم في فلندا: 

أتوقف عند هذا الحدّ, لأن الموضوع يطول و يتشعّب و سأحاول في المرات القادمة تقديم تصوّرات عن حلول و عدم الاكتفاء بالانتقادات فقط, لأننا في مفترق طرق. إما أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا و نتدارك اخطاءنا و نبني منظومة تعليمية حديثة قادرة على المنافسة عالميا, مبنية على خصوصيات مجتمعنا و هويته, و إما أن نبقي مسوخا و النتيجة في الفيديو أدناه:

"أستاذ يقسم الأصفار"



في الأخير, المقال ليس لتثبيط العزائم و أو لجلد الذات, بل بالعكس, هو قطرة من فيض لوضع الأصبع على الجرح, و معالجة المشكل الحقيقي من مصدره لا مظاهر المشكل. فأحد أسباب تخلفنا كبلاد و أمة هو عدم اعترافنا بمشاكلنا, كالمريض الذي يرفض الذهاب للطبيب لأنه لا يعترف بأن لديه ورم أو مرض خبيث, الى أن يموت. الاعتراف أول خطوات العلاج و ممارسة النقد الذاتي أساس كلّ مجتمع سليم.






---------------------------------------------------------------------------
* A Health Club for Rats, by Nassim Nicholas Taleb, in “the Black Swan: The Impact of the Highly Improbable”
--- "تجارب رائدة في التعليم والتدريب: تجربة فنلندا" د. هلال بن محمد العسكر
http://www.al-jazirah.com/2010/20101223/ar4.htm
--- أقل ساعات دراسة ولا دروس خصوصية والمعلم يحمل «الماجستير»التعليم الفنلندي.. ارتضى أبسط وأقصر الطرق فوصل إلى القمة . المصدر: طرف نعمة

11 comments:

  1. أخي، بارك الله فيك على المقال، لكن لا حياة لمن تنادي. أظن أن مقالك أيضا ينطبق عليه مثال السلمون، لا يقرأه ويفهمه إلا "طويل العمر".
    أنا كطالب ـ أستحي أن أقول طالب جزائري لأنه وببساطة بالنسبة هناك stereotype للطالب الجزائري بأنه 'حاشا نعمة ربي' كما قالها وزيرنا المحنك ـ لا يمكنك تصور درجة الإحباط التي وصلت إليها، أدرس في السنة الأولى ماستر إعلام آلي في جامعة قسنطينة، والله الذي لا إله غيره، لو اطلعت على مستوى التعليم هنا لبكيت دما. ندعو الله أن يخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها. We've had enough of Hellgeria.

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا اخي على المرور الكريم. و الله لن ايأس ما دام هناك شباب مثلكم يسعى للاصلاح و الأفضل. نعم بالرغم من كل السلبيات التي ذكرتها -و أنا احسّ بكم لأنني مررت من تلك الطريق- سنظلدائما نناظل لتوعية الشباب و العمل على تحسين واقعنا.
      بالتوفيق

      حذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله

    بداية أحييك أخي الزوبير على ملكة الكتابة و على التحدي في مخاطبة العقول بأسلوب أدبي يحمل أسلوب التشويق لقراءة كل ما كتبت.
    و سأعود مرة أخرى لأنتقد بعض النقاط التي ذكرتها أو يمكن أزيد عليها.
    تقبل مروري و تحياتي.
    كاف محمد رياض

    ردحذف
    الردود

    1. و عليكم السلام و رحمة الله,
      شكرا على مروروك أخي رياض و مرحبا بك في المدوّنة. كلّ انتقاداتكم اثراء لنا فلا تبخلوا بها علينا.
      تحياتي

      حذف
  3. كم هائل من المعلومات دفعة واحدة .. بارك الله فيك اشتقنا إلى النقاش معك يا سي زوبير

    ردحذف
    الردود
    1. و فيك بركة أخي وليد, نوّرت المدونة :)

      حذف
  4. السلام عليكم... في الحقيقة وجدت مقالتكم هذه بالصدفة في احدى الصفحات ...ولكن أي صدفة كانت !! مقال جد رائع مع تحليل منطقي يتسم بالموضوعية ومنهجية مبهرة...وما لفت انتباهي هو واقعية ما تسرده في مقالك هذا...جزاك الله خيرا أخي

    ردحذف
  5. يا إلهي، لماذا فعلت هذا؟ قلبت كل هذه المواجع علينا دفعة واحدة، نحن الذين مررنا من هناك ومازلنا نعاني من آثاره.
    وفي نفس الوقت لم تعط النقاط التي أثرتها حقها، عليك أن تكتبها على شكل سلسلة كما وعدت ونناقشك وقتها :)

    سأعلق هنا على نقطة النجاح، بالتأكيد نجاح الذين برز نجمهم بالخارج لا يمكن بأي حال أن ننسبه إلى نظام التعليم الجزائري. أما عندنا أن تكون ذكيا ومجتهدا لا يضمن لك النجاح، فالبقاء ليس بالضرورة للأقوى بل البقاء للأكثر قدرة على التأقلم مع "ميكانيزمات" هذا النظام.
    واللغة! موضوعها طويـــل...

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على المرور :)
      نفس الشئ قاله لي الكثير من القراء. أثناء الكتابة يجب علينا تقديم بعض التنازلات, فكنت بين الاطالة (التي تجعل القارء يضيع بين التفاصيل) و بين الاختصار (الذي يؤدي للسطحية). سأحاول تدارك النقائص في مقالات لاحفة.
      نعم, النجاح في الجزائر مربو بأمور كثيرة خارجة عن سيطرة الطالب, أولها نقطة الباكالوريا التي لا تأخذ في الجسبان مشواره السابق, مرورا بمنطق سكنه (من يسكن في ايليزي و يقطع 140 كلم للذهاب للثانوية ليس كالساحن في حيدرة) و مستوى معيشته .الخ. ما يجب فعله هو منح فرص لكل التلاميذ من أطوار باكرة, و دعم الناجحين و الاهتمام و البحث عن اسباب فشل من كان ناجحا.
      اللغة نسألة طويلة, و لا أعتقد أنني أو أي احد آخر يمكنه تقديم حلول قطعية, بل يجب فتح حوار وطني في هذا الخصوص, و دراسات.

      حذف