الحقوق محفوظة © مدوّنة علامة إستفهام
السبت، 15 مارس 2014

لا نحتاج للتعريب في الجزائر, بل نحتاج لإزالة الفَرنَسَة (أو الفَرنَجَة)

السلام عليكم و رحمة الله,
موضوع اللغة العربية في الجزائر لطالما أثار الجدل, و شكلت سياسة التعريب المنتهجة من وقت بومدين مشاكل عدّة نجني ثمارها لليوم.

kateb yacine











        خلال مشواري الجامعي المفرنس لاحظت تدهور مستواي اللغوي في العربية (كان التعبير الكتابي من أحد نقاط قوتي خلال مسيرتي الدراسية), و كانت نقطة التحوّل في الرؤية و المنهج بعد مشاركات لي في دورات تدريبية و نشاطات علمية, داخل و خارج البلاد, بحيث أصبحت أرى أشياء لم أكن ألاحظ أهميتها و أنا أعيش في قوقعتي.
في السنين الأخيرة أصبحت أهتمّ بالتوطين و دعم اللغات المحلية, و خاصة العربية بحكم أنها لغتي, و من خلال نشاطاتي في الجزائر و بعد حوارات متعددة و نقاشات طويلة وجدت أن هناك من الإخوة الامازيغ و خاصة القبائل لهم حساسية من هذه الكلمة (أي كلمة التعريب),وجدت منهم اختلافا كبيرا في الآراء فمنهم من يقول "نحن أمازيغ عربنا الاسلام" و منهم من يقول لا نحن مسلمون و لا عرب, و على العرب أن يحملوا حقائبهم و يعودوا لنجد أو اليمن, الخ. كلامي لن يعتني بهذا الجانب, و لن أتكلم عن ماهية الهوية العربية التي هناك من يقول أنها هوية لسان أي أن من تكلّم العربية أصبح عربيا و هناك من يقول أنها عِرق و دمّ.
رؤيتي للموضوع هو من زاوية أخرى, أنا شخصيا أرى أن التجانس الايديولوجي (دولة ذات أغلبية سنية و أقليات اخرى) و الاختلاف العرقي ثروة هائلة للجزائر بل و أحد أسباب محافظة شعبها على هويته بالرغم من حكم العثمانيين و الاحتلال الفرنسي الذي طيلة 130 سنة حاول طمسها, والتي يجب عليناالآن  الاتحاد لكي نحافظ عليها لأن التحديات الآن أكبر من أي وقت مضى.
هذا الموضوع يشغل حيّز تفكيري كثيرا, و ما خلصت له مؤخرا أننّي اتفق معهم لحدّ كبير و سبب عدم انتباهي للأمر أنني كنت أرى من منظوري الشخصي. أي بالنسبة لي العربية هي لغتي و هويتي, و بالدفاع عن العربية (أو التعريب كما كنت أقول) فهمها بعض الامازيغ تهديدا لهويتهم الأمازيغية كأن التعريب يعني طمس الهوية الأمازيغية, بينما أنا كنت أقصد شيئا آخرا ألا و هو أن التهديد هو الفرنسة التي عرّابوها هم الفرانكوفيليين (و ليس الفرونكوفونيين لأنني أعتبر نفسي فرونكوفوني, و لست ضدّ اللغة الفرنسية أبدا, بل بالعكس, أنا من أكثر المشجعين على تعلم اللغات الاجنبية و اتقانها) الذين يجعلون من الفرنسية لسانا و هوية و ثقافة, و بحكم تواجدي في فرنسا حاليا للدراسة أكاد أجزم انهم أكثر فرنسية من الفرنسيين أنفسهم, فيصدق فيهم كلام “الحاج مالك شباز” المعروف بمالكولم ايكس MalcolmX عن الـHouse Negro  و هو العبد الذي يحرص على سيده أكثر مما يحرص السيد على نفسه, و الشعب المغلوب على أمره كالـField Negro  و هو الذي ليس لديه ما يخسره.


هناك ثلاث انعكاسات للفرنجة في بلادنا تحضرني الآن, و هي التي تقسّم مجتمعنا و تنخره, و منه استلزام مواجهتها:
- تعزيز مكانة الأوليغالرشية (الأقلية الحاكمة) : الموالية لفرنسا و يدها في الجزائر و ظهور طبقة برجوازية كالفطريات حولها, و هم الناس المستفيدون من خيرات البلاد و الريع النفطي, حياتهم من نادي الصنوبر لحيدرة و من سيدي يحي للهواري بومدين و منه للـChamps-Elysées, يعيشون في بروجهم العاجية, عندهم الجزائر جنة الله في الأرض كما قالها يوما الوزير السابق بركات و كما قال وزير التضامن يوما "لا يوجد فقير في الجزائر" الذي فكرني في قصة ماري انتوانيت حين تظاهر الشعب امام القصر الملكي بالفيرساي فقيل لها " ان الشعب جائع ليس لديه خبز" فأجابت: "اذا لم يكن لديهم خبز فليأكلوا الفطائر !", أبناؤهم يدرسون في المدارس الفرنسية الخاصة,  ثم يكملونها في جامعات فرنسية مرموقة ثم يعودوا لوراثة آبائهم, لا خدمة وطنية لا هم يحزنون.
- تعميق الهوة الفاصلة بين النخبة و العامة: لغة التعليم العالي في المجالات العلمية معظمها مفرنس, بالتالي المتخرجون عادة ما يميلون للفرنسية لغة تعليمهم بدرجات, من المتشبّع الى المتنصّل, منهم من كانت الفرنسية سبب تفوقه على اقرانه بسبب عدم مواجهة مشاكل لغوية و منهم من هي سبب إهتمامه بتحصيل اللغة أكثر من تحصيل العلم. من الجهة الأخرى, العلوم الانسانية تُدرَّس بالعربية, و نرى هذا التباين مثلا بين الجرائد الناطقة بالفرنسية و نظيرتها العربية, أجد فرقا كبيرا في الاحترافية و في طريقة معالجة الأخبار و التحليلات, فالأولى نخبوية و الثانية شعبوية . المفرنسون عادة موجهون وجوههم شطر الضفة الأخرى للمتوسط, مما يتيح لهم القدرة على مواكبة التخلّف الفرنسي عن التقدّم العالمي (الذي هو بعض العقود) بينما المعربزون (أي الذي يكره الفرنسية عن جهل, و يدافع عن العربية عن عجز على الإلمام باللغات الاخرى, فهو ينتصر لذاته لا غير) يواكب التخلف العربي بقرون و مشبع بدجل الفضائيات و متقوقع على ذاته إلا من رحم ربك من المتنورين و ممن يبذل جهدا في مجاله. النقاش بين هاتين الطبقتين جدّ صعب, و ما نراه في الشبكات الاجتماعية من مشاداة خير دليل, ناهيك عن مظاهر أخرى لا يسعني ذكرها في تدوينة قصيرة.
    -تقهقر المستوى الثقافي و السنّ العقلي للطبقة المتعلمة (لكي لا أقول المثقفة, لأن ليس كل من ارتاد المدارس مثقف, و ليس كل مثقف حامل شهادة عليا, و هذا موضوع مقال آخر), بحيث أن الفرد الجزائري و أخص المتعلمين منهم له سنّ عقلي لمراهق أوربي (هنا أتكلم عن معظم المتعلمين أي نسبة 80%). ربما يغضب مني العديد من هذا الكلام, و لكنه ما لاحظته و جرّبته خلال سنين, و سبق لي أن كتبت عنه في شكل قصة ساخرة على الفايسبوك, هاهي في بضع سطور المسيرة التعليمة لفأر من الجزائر العميقة:


[قصّة فأر تجارب في مخبر عمي بوزيد]
وُلد الفأر الصغير "بينكي" في وسط قفص عائلة متواضعة, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي حين بلغ سن الـ6 أشهر ذهب لمدرسة مخبر العم بوزيد (الذي يستعمل الفئران الصغار في تجاربه) . في عائلة بينكي يتحدثون لغة الكوباي الهجينة و التي لا تشبه لغة الفئران الرسمية, حيث هي عبارة عن هجين بين لغة الفئران و كلمات من لغة القطط التي كانت تحتل بلاد ميكي. و كغيره من الفئران في بلاد ميكي تدرج بينكي في مقامات التعليم الرسمي, لمدة 12 شهرا اكتملت فيها قدراته اللغوية و أتقن لغة الفئران الرسمية بحيث أصبح رصيده اللغوي يمكنه من فهم المصطلحات و المفاهيم المعنوية و مناقشة المواضيع الفلسفية. و تعلّم أيضا البعض من لغة القطط و القليل من لغة الكلاب, في عالم يحكمه الكلاب ( لأن الذئاب حطّمت القطط في حرب حيوانية عالمية و لم ينقذ القطط سوى الكلاب).و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, كان بينكي يحلم بتطوير بلاد ميكي المتخلفة, فأراد الذهاب لجامعة الفئران ليتعلم الهندسة, و لكنه صدم لأنه وجد أن اللغة المستعملة في الجامعة هي لغة القطط, و لكن هذا لم يثنه عن غايته النبيلة, فعوض أن يهتم بالتحصيل الدراسي فقط اضطر لإتقان لغة القطط أيضا, لأنه بعد 5 أشهر سيتخرج, و لكن بالرغم من تعلمه لغة القطط فان 5 اشهر من تعلمها سمحت له بأن يكون له رصيد لغوي كرصيد قط ذو 5 أشهر (بينما هو يبلغ من العمر 23 شهرا!).
تخرّج بينكي, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, بدأت رحلته في البحث عن العمل, و لكنه اندهش لأن معظم الشركات يشترطون عليه: 1-اتقان لغة القطط, لأن القطط هم الزبائن/المستثمرون المفضلون في بلاد الفئران, و  2-ورقة تثبت أنه أمضى شهر و نصف في الخدمة الميكية ( أين يجمع عدد كبير من الفئران الشابة في قفص كبييير للقيام برياضة الدوران في العجلة و تقشير البطاطا) فعدل عن رأيه و أراد استكمال دراسته, فتقدّم لمسابقة الماجستير, بعد ايام من المراجعة استطاع انتزاع المركز الأول في قائمة المتسابقين بمعدل 9. و لكن المشكل هذه المرة طُلِبَ منه تعلم لغة الكلاب لأنه سيضطر في البداية لترجمة أبحاث باقي الحيوانات في الغابة( لأن كل الحيوانات تعتمد لغة الكلاب في نشر ابحاثها) ثم لينشر أبحاثه هو أيضا في علم القبار و الكالكير ليستفيد منها المجتمع العلمي الحيواني العالمي ... ."

الفأر: شاب جزائري
لغة الفئران: العربية و الأمازيغية
لغة القطط: الفرنسية
لغة الكلاب: الإنجليزية
أي أن الشاب الجزائري يمضي وقته في تعلّم اللغات أكثر من التحصيل العلمي, و اللغة هي ليست غاية لذاتها هي وسيلة لتحصيل المعارف و نافذة مفتوحة على ثقافة و رصيد حضاري مغاير. و طالما أقول: أننا نقضي اوقاتنا في معالجة المشاكل الوهمية عوض المشاكل الحقيقية. فالرصيد اللغوي يلعب دورا هاما في قدرة الفرد على استيعاب المفاهيم و التواصل, فمثلا لو تفرجت على استطلاعات الرأي في الشوارع الجزائرية على القنوات نادرا ما ترى شابا يعبّر عن رأيه في أفكار متسلسلة و مدعمة بشواهد و أمثلة و بلغة سليمة و واضحة, بينما لو تشاهد كيف يعبّر مراهقون في قنوات غربية عن آرائهم فتجد فرقا بين الاثنين.
بعد الاشارة لبعض مظاهر الفرنسة في الجزائر على حساب هويتنا الجزائرية بمكوناتها, و اقتصادنا الوطني (الذي هو تحت سيطرة للشركات الفرنسية و شركات البترول المتعددة الجنسيات و بعض رجال الأعمال الاحتكاريين) و تحصيلنا العلمي و رصيدنا الحضاري, الخ. أرى أنه من واجبنا أن نتحرّك لإنقاذ هويتنا, و علينا أن نتحّد لتحقيق هذا, و أن نخرج من الجدال العقيم و الحلقة المفرغة, و أول خطوة هو أن نتجرّد من الأفكار المسبقة و نحاول أن نفهم بعضنا البعض عوض كيل الاتهامات و ما لا يفيد.
الموضوع يطول و لا يمكننا التوقف عند هذا, و لكنني أؤكد مجددا انني لست ضدّ اللغة الفرنسية, نقول عنها "غنيمة حرب", و لكنني ضدّ مسخ هوية شعب تحت مسميات و اسباب واهية, و ان نعرف أن في عصرنا لا يوجد بديل على تطوير لغاتنا المحلية و التركيز على الانجليزية عوض الفرنسية, لأن غنيمة الحرب قد أُستُهْلِكَت و انتهت مدة صلاحيتها، و لهذا أدعو كل من وافقني في هذا الطرح (و كل من خالفني أن يتفضل مشكورا بالردّ و التوضيح) أن نستبدل كلمة "التعريب" بـ"إزالة الفرنسة", و أنا أعلم أنه شئ صعب لأنني مررت به شخصيا (أوله حرج -لاننا في مجتمع يخجل الانسان باستعمال لغته، فيكتب العربية بحروف لاتينية- , و ثانيه غرابة و ثالثه إقتناع و رابعه عمل و آخره جني نتائج), و سنجد أنفسنا مرغمين على ما لم نعتده, و لكن النضال من أجل أي فكرة يتطلب التضحية.
السلام عليكم و رحمة الله...


6 comments:

  1. شكرا أخي الكريم، فمقالك في الصميم.
    الفرنسية تحولت أو تغولت لتصبح إيديولوجيا و هذا يعمق التبعية من محصورة نسبيا في الصحافة و ربما التعليم، إلى قطاعات اقتصادية و اجتماعية و حتى السياسية للأسف.
    عني شخصيا لازلت على أبواب المرحلة الرابعة و العمل أمامنا كبير و كثير.
    تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا أخ عطاء الله على المرور,
      نعم, اللغة تلعب دور كبير, و كنا ذكرت الجزائر بحكم اعتماده للفرنسية في الادارة و التشغيل و الصناعة, الخ, وجدت نفسها تابعة لفرنسا, عوض تبني العربية بحيث يسهل التعامل مع دول الجوار و الانجليزية للتعامل مع باقي الدول.

      حذف
  2. مشكور كاتب المقال وضعت يدك على المشكل

    ردحذف
  3. شكرا الأخ نور الدين على التعليق,
    نعم هناك مشكل الأمازيغية الذي يبقى مطروح في الجزائر, و اهمال الحكومات المتواصلة لهذه النقطة أدى لتفاقم الوضع و استثمار بعض المتطرفين للامازيغية لمحاربة العربية و النيل من الهوية الوطنية بمكوناتها الثقافية و العرقية.
    على الجزائر أن تقوّي لغاتها و تنفتح على العالم باعتماد الانجليزية كلغة تواصل مع العالم, لأننا للاسف مربوطون بفرنسا في كل انواع التعاملات.

    ردحذف
  4. بوركت أخي الزبير،
    مقال جميل جدا وقصة رائعة مفعمة بالمعاني على أسلوب كليلة ودمنة بكلمات مقتبسة من الحياة اليومية وشخصية كرتونية زادت التشبيه قوة.
    من اليوم فصاعدا "إزالة الفرنسية" أو "عزل الفرنسية عن الهوية" جميل جدا.

    ردحذف